المكتبات في المستقبل.. مساحات تُسخّر التكنولوجيا وتراعي الاستدامة
تحمل المكتبات الكثير من المسؤوليات تجاه المجتمع وتشكيل وعيه. وفي العصر الذي غزت فيه التكنولوجيا كل المجالات، بدأت المكتبات تشهد الكثير من التبدلات، حيث راحت تسخّر التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي في أروقتها، لتقديم تجارب تثقيفية تحاكي العصر. وشدد خبراء ومديرو مكتبات، تحدثوا لـ«الإمارات اليوم»، على هامش فعاليات «مؤتمر دبي الدولي للمكتبات»، الذي يختتم اليوم، على أن المكتبات ليست مجرد مساحة لتخزين الكتب، وأنها تلعب دوراً بارزاً في المجال الثقافي، يحتم عليها التوجه نحو الرقمنة، وكذلك الاستدامة.
وتحدث عضو مجلس إدارة مؤسسة مكتبة محمد بن راشد آل مكتوم، العضو في اللجنة العليا لمؤتمر دبي الدولي للمكتبات، إبراهيم الهاشمي، لـ«الإمارات اليوم»، عن الشكل المستقبلي للمكتبات انطلاقاً من نموذج مكتبة محمد بن راشد، معتبراً أنها قدمت نموذجاً حياً، ليس للمكتبات العربية فحسب، بل على مستوى العالم، فالمكتبات باتت مركزاً للوعي وتبادل الثقافات، وهذا يشكل تحدياً حول ما يمكن تقديمه في المكتبات. وأشار إلى أن التطور الذي حدث في المكتبات، لا ينحصر في مسألة تقنيات التخزين، وكيفية تقديم الكتب للمستخدمين وإرجاعها، بل تعدى ذلك إلى وجود الكتب الصوتية التي يمكن سماعها بلغات عدة، فالتكنولوجيا تضيف الكثير للإنسان، والتحدي الحقيقي هو كيف يمكنها خدمة الكثير من القطاعات الموجودة في المكتبات على نحو يسير. وأشار الهاشمي إلى أن النموذج الذي قدمته مكتبة محمد بن راشد، وضع جميع المكتبات أمام تحدٍّ مختلف، إذ باتت المكتبة مصدر ثقافة ووعي وتنوير، موضحاً أن نجاح النموذج يعني أن من الممكن النجاح في جميع أنحاء العالم، لذا لابد من جعل تطور المكتبات هدفاً، والاستفادة كثيراً من التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
من جهته، اقترح خبير المكتبات، الدكتور عماد أبوعيد، نموذجاً ابتكارياً، وهو عبارة عن رؤية مستقبلية لشكل المكتبات في الإمارات، موضحاً أن هذا النموذج يستند إلى ثلاثة عناصر رئيسة، هي: التوجهات الحكومية في الدولة، واحتياجات المجتمع الإماراتي المحلي من المكتبات، وتحسين وتعزيز تجربة المستخدمين في المكتبات. ولفت أبوعيد إلى أنه استناداً إلى هذه العناصر الثلاثة، وضع النموذج المرتكز على ثلاثة محاور رئيسة، فالمحور الأول هو المجتمعي، ومن خلاله يمكن معرفة الاحتياجات المعرفية الحالية والمستقبلية للمجتمع، فضلاً عن توسيع المشاركات المجتمعية بهدف زيادة الإقبال على المكتبة، لاسيما أن المكتبات العصرية هي مساحات تفاعلية. أما المحور الثاني، فأشار أبوعيد إلى أنه يرتكز على تبني معايير المكتبات الخضراء، وهذا من شأنه أن يعزز مبادئ الاستدامة، وأن يقلل من الأثر البيئي السلبي للمكتبات، سواء في المباني أو العمليات التشغيلية. وفي ما يتعلق بالمحور الثالث، نوه أبوعيد إلى أنه يرتبط بالمحور التقني، موضحاً أننا نعيش اليوم في عصر الثورة الصناعية الرابعة، ولابد من الاستفادة منها في تحقيق أهداف المكتبة العليا، وذلك من خلال تبني معايير المكتبات الذكية والتحول الرقمي في طبيعة الخدمات المقدمة للمستخدمين، ثم الاستفادة من الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في المكتبات.
وقال مدير مكتبة الإسكندرية، الدكتور أحمد زايد، إن العالم يواجه العديد من التحديات، بسبب التطور التكنولوجي، ووسائل التواصل الاجتماعي، وأن المكتبات ليست بعيدة عن هذه التحديات. واعتبر أن من ضمن التحديات التي لابد من العمل عليها، توفير أساليب جديدة للقراءة، إذا كان المرء معتاداً على اقتناء الكتب الورقية والقواميس والاعتماد عليها، ولهذا لابد للمكتبات من توفير أساليب رقمية للقراءة، وأشكال جديدة للكتاب، ومنها الكتاب الورقي الملخص، مشيراً إلى أنهم تعمدوا تقديم كتب ملخصة للشباب لا تتعدى 50 صفحة، تساعدهم على أخذ المعلومات. وشدد على أهمية الجمع بين الكتب والرقمنة، من خلال استخدام الرموز التي يمكن مسحها لمشاهدة أفلام قصيرة عن الكتب مدتها دقيقتان، معتبراً أن من الضروري أيضاً تطوير شكل المكتبة المادي، وتحويلها من مكان قاتم ومعتم إلى مكان يحمل القدر الكبير من البهجة، مستشهداً بتجربة أجروها للقراءة في الهواء الطلق، لحث الشباب على الجلوس والقراءة.
أما الكاتب والمؤرخ ورئيس مجلس أمناء مؤسسة تاريخ دمشق، سامي مبيض، فأكد أن المكتبات والكتاب الورقي في خطر، وذلك بسبب القراءة الإلكترونية والقرصنة، وهذا ما يدفع العديد من دور النشر إلى إعادة حسابها في النشر، تحديداً في الوطن العربي، حيث الحقوق ليست محفوظة إلا على الورق، سواء للناشرين أو الكتّاب.
ترميم الوثائق
أكد رئيس قسم الحفظ والمعالجة والترميم في مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث، الدكتور بسام داغستاني، أن المخطوطات والوثائق التاريخية التي تحتويها العديد من المكتبات، هي الأثر الإيجابي للأمم، وهي الشهادات التي تحمل الكثير من العلوم المتقدمة، والأحداث التاريخية، والسياسية، والاجتماعية. ولفت إلى أن المخطوطات تصنع من الورق أو الجلود، وهاتان المادتان هما من المواد الجاذبة للحشرات، كما أنهما تتأثران بعوامل المناخ، ولهذا فالمخطوطات عبر رحلتها خلال مئات السنين تتعرض للآفات والتلف، وترميمها مهم من أجل منحها عمراً جديداً افتراضياً. وشدد داغستاني على أن معالجة المخطوطات يبدأ بالتعقيم، وعزل المصابة منها، ثم تنظيفها، ومعالجتها بالمحاليل المناسبة، ثم ترميمها يدوياً أو آلياً، وأخيراً تجليدها وتصويرها رقمياً. أما تخزين المخطوطات، فأوضح داغستاني أنه يكون وفق مجموعة من الشروط، منها ضبط الحرارة والرطوبة، واحتواء المخزن على نظام حريق يعمل ذاتياً، وأن تكون الإضاءة خافتة، وأن يكون محكم الإغلاق، إلى جانب العديد من العوامل التي تحافظ عليها.
أحمد زايد:
لابد للمكتبات من توفير أساليب رقمية للقراءة، وأشكال جديدة للكتاب.
سامي مبيض:
المكتبات والكتاب الورقي في خطر بسبب القراءة الإلكترونية والقرصنة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news