تنفيسة| في اليوم العالمي للفلسفة.. تطلعات ورؤى
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
أعلنت منظمة اليونسكو أو منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization) الاحتفال باليوم العالمي للفلسفة World Philosophy Day لأول مرة في 21 نوفمبر 2002م، وحسب الموقع الرسمي لليونسكو الاحتفال باليوم العالمي للفلسفة في كل عام، وفي يوم الخميس الثالث من نوفمبر، كما تؤكد اليونسكو القيمة الدائمة للفلسفة لتطور الفكر البشري، لكل ثقافة ولكل فرد.
وعلى الرغم من ذلك الاحتفال السنوي وتلك الرؤية التي قدمتها منظمة اليونسكو اتجاه الفلسفة، يبقى التساؤل الذي يشغل تفكير البعض، ما هو شكل وكيان الفلسفة على أرض الواقع؟ لذلك سيدور حديثنا هنا عن الفلسفة على المستوى المحلي، وليس العالمي، أي كما نراها بالجامعات المصرية، حتى لا نتطرق ويطول منا الحديث عن فروقات نحن في غنى عن ذكرها الآن.
عزيزي القارئ نجد أن أقسام الفلسفة بجميع جامعات مصر، تملك رؤية ورسالة لتدريس الفلسفة، وعبرت عن هذه الرؤى والأهداف في شكل بنود، والزائر لأي قسم من أقسام الفلسفة من الوجه البحري للصعيد يستطيع أن يرى هذه البنود مكتوبة ومطبوعة في لافته وُضعت بمدخل القسم. وقد تختلف هذه البنود في الصياغة من قسم لآخر، ولكنها تتفق جميعها في المضمون. وماذا عن هذه الرؤى والأهداف؟
نجد مثلًا صديقي القارئ أحد أقسام الفلسفة يكتب على مدخله قسم الفلسفة مركزًا للإشعاع الفكري والثقافي في المجتمع من خلال ما تطرحه الفلسفة من رؤى كونية، وتأتي رسالة القسم في إعداد الخرجين كالآتي:
- إثراء الحياة الثقافية للأمة، والمساهمة في تشكيل شخصيتها ممثلةً في وعيها العام في سائر تجلياته: العقلية والعلمية، والدينية، والأخلاقية، والجمالية.
- تنمية الوعي بقضايا الوطن وقضايا العصر، وتطورها عبر الأزمنة وعبر الثقافات، والإسهام في تجديد أساليب طرحها وأساليب البحث في حلولها.
- العمل على بناء التفكير الناقد المسلح بمنطق المنهج العلمي، وتعميق أسس إصدار الأحكام القيمية وتنمية ملكات التذوق؛ ومن ثم تحقيق العقلية المتكاملة للمثقف الواعي. وجاءت الأهداف من تحقيق هذه الرسالة على النحو التالي:
إعداد متخصص في مجالات الفلسفة قادر على تحديد الإشكاليات والمفاهيم والمصطلحات في القضايا المتعلقة بمنطق المعرفة والوجود والقيمة، ومتمكن من أساليب وآداب الحوار المثمر البناء.
إعداد خريج قادر علميا وعقليًا على مواكبة التطور الثقافي، وكيفية المساعد في خلق مخيلة معرفية وبحثية، تُعينه على الانخراط في الواقع، من الحصول على فرصة العمل المناسبة.
تنمية القدرة على القراءة المنتجة للنصوص الفلسفية وتأويلها في سياقها الحضاري .
تشجيع الاجتهاد في البحث العلمي والطرح المستجد الخلاق للإشكاليات الفلسفية والقضايا الفكرية العامة. هذا عن المكتوب والمنصوص عليه من قبل اللوائح والرؤى المستقبلية، وماذا عن الواقع؟
عزيزي القارئ الأمر في حقيقته أن أقسام الفلسفة في وقت ليس ببعيد كانت تعج بأعداد مهولة بداية كل عام دراسي، مما يترتب عليه كثافة طلابية عالية، وسيساهم في ارتفاع نسبة البطالة بين خريجي هذا القسم تحديدًا، وذلك للمعتقد الموروث "أن خريجي آداب فلسفة أو تربية فلسفة سيصُبح مدرسًا فور تخرجه". ولكن للأسف الشديد هذا الكادر الوظيفي لا يحتمل كل هذا الكم من الخريجين، وبالتالي فهذا مأزق وعبئ على الدولة.
صديقي القارئ أننا لن نجني ثمار الفلسفة ولن تأتي بدورها المنشود كما جاءت على لسان الفلاسفة والمفكرين، دون فصل الفلسفة عن قاعة الدرس وجعلها تُحلق في السماء. ولكن كيف يمكن أن يحدث ذلك؟ يمكننا أن نرى ذلك على ارض الواقع، إذا وصلنا إلى المُدَرِّس صاحب الدراسات والأبحاث والقراءات المُعمقة، وحده يستطيع أن يُخرج الفلسفة من قاعات الدرس إلى الواقع المُعاش. وليس المُدَرِّس صاحب الهم الغالب عليه في وضع الامتحانات نهاية كل فصل دراسي، وغيرها من الأمور الإدارية والروتينية، التي تُعيق من مسيرة وتكوين هؤلاء الشباب.
لذلك لابد من الآن فصاعدًا أن تُفعل هذه الأهداف والرؤى، فأنا أثق أتم الثقة كما أني امسك بقلمي الآن واكتب لكم هذه الكلمات، انه إذا قدمت أقسام الفلسفة رؤى جديدة وأعادوا بناء هذه اللوائح التدريسية، بما يتماشى مع الواقع ومتطلبات سوق العمل المحلي والعالمي، سيحدث حتمًا ولابد من طفرة حقيقية في تدريس وتعلم الفلسفة بجماعتنا المصرية وسنستطيع أن نخطو أول خطوة نحو ملاحقة ذلك التقدم الذي نستشعره وبشدة في العالم الغربي، كل هذا بتكوين خريج ذو عقلية تزخر بثراء معرفي، ومخزون علمي وثقافي ثري.