بمساعدة إسبانيا عقب خسائر الفيضانات .. المغرب يعزز "دبلوماسية الكوارث"
في سياق تعزيز العلاقات الثنائية وتأكيد دوره الإقليمي، اعتمد المغرب نهجا دبلوماسيا جديدا يقوم على تقديم المساعدات الإنسانية للدول المتضررة من الكوارث الطبيعية؛ كان آخرها عرضه تقديم الدعم لإسبانيا عقب الفيضانات العنيفة التي ضربت مناطق عديدة من هذا البلد الأوروبي مؤخرا.
ويأتي هذا التحرك، وفق مراقبين، في إطار ما يُعرف بـ”دبلوماسية الكوارث”، التي يسعى المغرب من خلالها إلى تعزيز موقعه كفاعل إنساني دولي وتحسين علاقاته مع جيرانه عبر بوابة التعاون في الأزمات، واصفين المبادرة بـ”خطوة” دالة على التطور المستمر في السياسة الخارجية المغربية، حيث يتجاوز العرض المغربي تقديم المساعدات الطارئة إلى بناء جسور الثقة والتعاون مع الشركاء الأوروبيين.
في هذا السياق، اعتبر عبد الفتاح الفاتيحي، مدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الاستراتيجية، أن المغرب “كان دوما يعكس روح التعاون والتضامن خلال الكوارث أو الحروب، وكانت يد المغرب بيضاء على الجوانب الإنسانية تتجاوز المنطق البراغماتي”.
وأضاف الفاتيحي، ضمن تصريح لهسبريس: “أعتقد أن الوازع الديني هو الآخر يدعو إلى التسابق في تقديم الدعم والمساعدة أو عرضها على الذي يحتاجها في ظروف طبيعية قاهرة”.
وتابع: “لذلك، فإن مبادرات الدعم المغربي في حالات الطوارئ والكوارث الطبيعية تبقى ممارسة راسخة وهي ليست حكرا على دول بعينها؛ حيث قدم المغرب بسخاء مساعدات إلى العديد من الدول”.
وسجل الخبير في العلاقات الدولية أنه في الحالة الجار الشمالي فإن المساعدات المغربية هي “عربون للمحبة نحو الشعب الإسباني والرغبة الكبير في المشاركة في السراء والضراء؛ وهو سلوك مغربي أصيل مع إسبانيا”، خالصا إلى أن الأكيد هو أن المساعدات المغربية في ظروف صعبة “تستهدف التقرب إلى الفئات الشعبية وخلق محبة وجدانية عميقة بين الشعبين المغربي والإسباني”.
من جانبه، عدّد بوسلهام عيسات، الباحث في الدراسات السياسية والدولية، مجموعة من دلالات عرض المساعدة على الجارة الشمالية التي استجابت لعرض المغرب كأول دولة تشارك في التخلص من أضرار الفيضانات من خارج دول الاتحاد الأوروبي؛ من بينها “اعتماد المغرب، ومنذ اعتلاء الملك محمد السادس للعرش، طبيعة تحول الدبلوماسية المغربية، بتجاوز اعتماد المقاربات التقليدية إلى مقاربات جديدة قائمة على دبلوماسية متعددة المسارات، تتخذ أشكالا جديدة ترتبط بالمجال الإنساني أو الروحي أو الاقتصادي(…)”.
من الدلالات أيضا، أضاف عيسات في حديث لهسبريس، أن دبلوماسية الكوارث والعمل الإنساني يعكسان بعدا قائما على الاعتماد المتبادل والحرص على الأمن الجماعي والمشترك كمفاهيم مركزية في العلاقات الدولية المعاصرة، فضلا عن مساهمتها في توطين وتنزيل الفعل التعاوني بين الدول ميدانيا.
وأشار إلى أن “التعليمات الملكية السامية لوزير الداخلية بتبليغ نظيره الإسباني بجاهزية فرق الإغاثة وتقديم المساعدات الإنسانية، وقبولها من قبل الجانب الإسباني كبلد خارج الاتحاد الأوروبي يعكس بجلاء عمق وروح الشراكة الاستراتيجية التي تجمع البلدين في مجالات شتى تتجاوز التعاون متعدد الأبعاد، لتشمل الجانب التضامني الإنساني المتبادل في الكوارث الطبيعية”.
وذكّر الباحث ذاته بـ”عمق العلاقات الثنائية بين المغرب وإسبانيا، والقائمة على الاحترام والثقة المتبادلة، فضلا عن التعاون الدائم الصريح والصادق الذي تعبر عنه قيادة البلدين كجارين يجمعهما الفضاء المتوسطي والروابط المشتركة، بما يتطلب منهما يقظة دائمة من أجل الدفاع عن المصالح المشتركة، وتعبئة وتضافر الجهود لمواجهة التحديات المشتركة؛ وهو ما ظهر بشكل جلي سواء خلال زلزال الحوز أو الفيضانات التي عرفتها إسبانيا”.