أطباء يوصون بمحاصرة السكري عبر الوقاية وتكثيف حملات الكشف المبكر
على خلفية دقّ وزارة الصحة والحماية الاجتماعية لناقوس الخطر بشأن الوضع الوبائي للسكري بالمغرب، بادر أطباء عامون وباحثون في السياسات والنظم الصحية إلى التذكير بالحاجة إلى مضاعفة جهود محاصرة وتطويق مدّ المرض المزمن بالمغرب؛ من خلال تحسيس وتوعية المواطن بأهمية التخلي عن العادات الغذائية غير السليمة، وتوسيع حملات الكشف المجاني المبكر عن الداء.
وأكد هؤلاء الأطباء والباحثون أن قفز عدد البالغين المصابين بالمرض إلى 2.7 ملايين مصاب بداء السكري يرجع أساسا إلى “جملة أسباب متداخلة؛ على رأسها تتبع أنظمة تغذية غير متوازنة من قبل قطاع واسع من المغاربة، وارتفاع المعدل اليومي لاستهلاكهم مادة السكر أربعة أضعاف مقارنة بالمعدل الموصى به عالميا”، مشددين على “صعوبة الجزم بكون هذا الأمر ناتجا عن ثقافة غذائية خاطئة، نظرا لوجود ظروف اقتصادية واجتماعية تضطر المغاربة إلى ذلك”.
وشدد المعنيون على “ضرورة اتجاه الدولة نحو اتخاذ إجراء عملي آخر لمحاصرة المرض، يتمثل أساسا في الرفع المتواصل للضريبة على الاستهلاك المطبقة على المنتجات المحتوية على نسب عالية من السكر في مشاريع قوانين المالية المقبلة”؛ وهي “الضريبة التي أقرّت لأول مرة في قانون المالية لسنة 2023، واقترح حزب العدالة والتنمية أخيرا الرفع منها في مشروع قانون المالية للسنة المقبلة، شأنها شأن ضريبة منتجات الملح والدهون المتحولة”.
في هذا الإطار، قال الطيب حمضي، الطبيب الباحث في السياسات والنظم الصحية، إنه “لا توجد أسباب معروفة أو محددة بدقة للإصابة بمرض السكري النوع الأول، الذي يصيب الأطفال في سن مبكرة من الأيام والشهور أو السنوات الأولى. وعلى هذا الأساس، لا توجد أية طريقة علمية للوقاية منه”.
وأوضح حمضي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أنه “بخلاف ذلك، تبقى أسباب مرض السكري النوع 2، الذي يعاني منه الغالبية العظمى من مصابي داء السكري بالمغرب، محددة وواضحة، تتمثل في التغذية غير المتوازنة، وزيادة الوزن التي يعاني منها نحو 53 في المائة من المغاربة، وكذا السمنة التي يشكو منها أكثر من 20 في المائة من المغاربة، بالإضافة إلى قلة الحركة، حيث إن كل مغربي من خمسة (حوالي 21.1 في المئة) لا يمارس أي نشاط رياضي أو بدني”.
ولفت الطبيب الباحث في السياسات والنظم الصحية إلى أن “سببا آخر يتمثل في كون المغربي يستهلك كمعدل يومي 100 غرام من السكر؛ ما يمثل أربعة أضعاف المعدل الذي توصي به منظمة الصحة العالمية بعدم تناول أكثر منه، أي 25 غراما، وضعفي الحد الأقصى الذي تحدده المنظمة عينها، والمتمثل في 50 غراما”.
وفي هذا الصدد، شدد المتحدث ذاته على أنه “يجب استحضار أن ارتفاع استهلاك المغاربة من هذه المادة ليس بالضرورة ناتجا عن ثقافة غذائية خاطئة؛ بل قد تُساهم فيه أيضا الظروف الاقتصادية والاجتماعية.. فعلى سبيل المثال، فإن عامل بناء يشتغل بأجرة 70 إلى 80 درهما في اليوم لا يطيق ماديا أي مصدر للطاقة سوى الشاي أو الكبد”.
وأكد الطبيب الباحث في السياسات والنظم الصحية أن “الحد من الانتشار المستمر لهذا المرض في صفوف المغاربة هو مسؤولية مشتركة بين الدولة والمواطن، حيث يتعين على هذا الأخير التقيد بنظام تغذية متوازن يجمع بين مختلف الخضر والفواكه وتجنب المنتجات المحتوية على نسب عالية من السكريات والدهنيات، إضافة إلى ممارسة الرياضة بشكل يومي وتجنب التدخين، فضلا عن الكشف المبكر”.
وأوضح حمضي أن “مسؤولية الدولة تبدأ من توفير جميع وسائل الكشف والتشخيص المبكر، إضافة إلى العلاج والتحاليل بشكل مجاني للمواطنين”، مضيفا أنها “تشمل أيضا الرفع من قيمة الضرائب المفروضة على المنتجات المحتوية على نسب عالية من السكر والدهون من قبيل المأكولات السريعة، شريطة أن تشمل هذه الزيادة جميع المنتجات الضارة بالصحة كالتبغ والكحول، وأن يجري توجيه مداخيل هذه الضرائب لدعم البرامج والسياسات العامة ذات المنفعة على صحة المواطنين، خصوصا المرتبطة بداء السكري”.
من جهته، شدد شرف لحنش، طبيب عام، على “ضرورة بذل الدولة مجهودات مضاعفة لمحاصرة ارتفاع نسب الإصابة بداء السكري في المغرب، من خلال تنظيم حملات دورية منتظمة، وليست سنوية أو مناسباتية، للتشخيص والكشف المبكر عن الإصابة بهذا الداء في صفوف المواطنين؛ نظرا إلى أن اكتشاف حالات الإصابة في مراحل متقدمة يسهل التعامل معها ويجنب المصاب التعرض لمضاعفات خطيرة تصل إلى جلطات القلب والدماغ المفضية للوفاة”.
وأكد الطبيب العام ذاته أن “عموم الأطباء، سواء الذين يشتغلون بالمراكز الصحية ومستشفيات القطاع أو عيادات ومستشفيات القطاع الخاص، مدعوون إلى الالتزام بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم في هذا الصدد؛ من خلال الحرص على إخضاع أي مريض مرتفق لتحليل داء السكري، كيفما كان نوع المرض الذي يعاني منه”.
وشدد لحنش، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، على ضرورة أن “تنظم الدولة حملات توعوية وتحسيسية لفائدة المواطنين بأهمية التغذية السليمة والمتوازنة، خاصة أنه من بين المسببات الرئيسية للإصابة بداء السكري النوع 2، على وجه التحديد، في العالم ككل وليس فقط المغرب، نجد مشكل تعاطي المأكولات السريعة”.
وعلى غرار حمضي، أيد الطبيب العام ذاته “الرفع من قيمة الضريبة المطبقة على استهلاك المنتجات المحتوية على نسب مرتفعة من السكر، رغم أن هذا القرار قد يحتج عليه بكونه يضر بالقدرة الشرائية للمواطنين”، مسجلا أنه “لا يمكن التضحية باستمرار عادات غير صحية تهدد صحة المواطنين بمرض مزمن ثم لاحقا الدولة بتكاليف مهمة، بحجة الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين”.