لجوء مجلس النواب إلى تلاوة أسماء المتغيبين يطلق تساؤلات حول النجاعة

لجوء مجلس النواب إلى تلاوة أسماء المتغيبين يطلق تساؤلات حول النجاعة
لجوء مجلس النواب إلى تلاوة أسماء المتغيبين يطلق تساؤلات حول النجاعة

خطوة مهمة تلك التي أقدم عليها مكتب مجلس النواب، بغرض محاصرة ظاهرة الغياب في صفوف ممثلي الأمة عن أشغاله، وذلك بعدما لجأ إلى تلاوة أسماء المتغيبين عن جلستي 4 و11 نونبر الجاري العموميتين؛ في بداية جلسة عمومية خُصصت للتصويت على الجزء الأول من مشروع قانون المالية لسنة 2025.

هذه الخطوة أتت بعد الجدل الكبير الذي أثارته ظاهرة تغيب النواب البرلمانيين خلال السنوات الماضية، وذلك بعدما ظلت غالبية الجلسات العامة واجتماعات اللجان كذلك تعقد بحضور عدد قليل من النواب، ما استدعى وقتها من مكتب الغرفة الأولى للبرلمان البحث عن سبل لـ”إيقاف السلايتية”، بما فيها اعتماد طريقة تأكيد الحضور عن طريق بطائق إلكترونية بمقر المجلس.

الإجراء الذي لجأ إليه مكتب مجلس النواب ينص عليه النظام الداخلي لسنة 2004 في مادته الـ61، التي جاء فيها: “إذا تغيّب عضو عن جلسة عمومية بدون عذر مقبول، فإن الرئيس يوجه إلى النائب المتغيب تنبيها كتابيا ويأمر بتلاوة اسمه في افتتاح الجلسة المقبلة”، وهو الإجراء الذي حافظ عليه النظام الداخلي المصادق عليه في غشت 2024 في المادة 395.

إجراء محرج

رشيد المدور، نائب برلماني سابق أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، علق على لجوء مكتب مجلس النواب إلى تلاوة أسماء المتغيبين عن أشغاله بدون عذر بالقول إن “هذه الآلية تتضمن نوعا من الإحراج المعنوي للنائب المعني بها، إذ إنها تحرجه مع الناخبين الذين انتخبوه وتخبرهم بأن الشخص الذي انتخبوه لا يؤدي عمله كما يجب ولا يحضر أشغال مجلس النواب، سواء اللجان أو حتى الجلسات العامة، بدون عذر مقبول”.

وأضاف المدور، في تصريح لهسبريس، أن “هذا الإجراء إذن يمكن أن يؤثر بالسلب على مصداقية كل نائب برلماني باعتباره ممثلا للأمة، مما يجعل من كل نائب يريد الترشح من جديد المواظبة مبدئيا على حضور أشغال الغرفة الأولى للمؤسسة التشريعية حتى لا يقال عنه إنه لا يؤدي المهام المسندة إليه”، مشيرا إلى أن “آلية تلاوة أسماء المتغيبين مقررة ضمن النظام الداخلي للمجلس منذ سنة 2004”.

وزاد: “يمكن مبدئيا القول بأهمية الاتجاه الذي سار فيه مجلس النواب من أجل وقف ظاهرة الغياب في صفوف أعضائه، لكونه يتضمن عقوبة معنوية للمعنيين بالأمر، وهو ما يمكن أن يخدم مسألة إعادة الاعتبار لمهام تمثيل الأمة”، مؤكدا أن “مكتب مجلس النواب وجد نفسه مطالبا بحلول في هذا الإطار لظاهرة التغيب عن أداء المهام بعد النقاش التي صارت تثيره”.

في سياق متصل، استغرب العضو السابق بمجلس النواب حجم الغياب الذي تشهده أشغال مجلس النواب، سواء في اللجان أو حتى الجلسات العامة، وهو ما “يبرز بحدة في المناقشة التفصيلية لمشروع قانون المالية، الذي يبقى من أبرز القوانين وأهمها خلال السنة التشريعية، في دورتها الخريفية، وهو الذي يحمل معطيات مهمة تهم سير مؤسسات الدولة ككل”.

“ليسوا موظفين”

رشيد كديرة، أستاذ القانون الدستوري بجامعة ابن زهر بأكادير، قال إن “الدستور المغربي اعتبر أن أعضاء مجلسي النواب والمستشارين يستمدون نيابتهم من الأمة ويمثلون إرادتها، حيث أوكل المشرع الدستوري للمؤسسة البرلمانية مهمة تقييم السياسات العمومية ومراقبة العمل الحكومي، إضافة إلى التشريع من خلال مقترحات القوانين”، مضيفا أن “الملك محمدا السادس أكد في عديد خطبه ورسائله على الدور الحاسم الذي يجب أن يضطلع به البرلمان في نشر قيم الديمقراطية وترسيخ دولة القانون وتكريس ثقافة المشاركة وتعزيز الثقة في المؤسسات”.

وأوضح الأستاذ الجامعي، في تصريح لهسبريس، أن “الإشكال يكمن في مدى التزام النواب بأداء مهامهم الموكلة إليهم بموجب الوثيقة الدستورية، إذ إن غياب عدد من النواب عن مناقشة مشاريع قوانين مهمة بحجم مشروع قانون المالية الذي يثير سجالات سياسية محتدمة في العديد من الديمقراطيات، يطرح عددا من الأسئلة، خاصة إذا ما استحضرنا ارتباط هذا المشروع بتنزيل البرنامج الحكومي الذي يمكن اعتباره بمثابة عقد بين الحكومة والبرلمان”.

وقال: “حضورُ النواب في مثل هذه المناقشات القانونية، خاصة ما يتعلق منها بمناقشة الميزانيات القطاعية، هو الذي يؤكد صدق هؤلاء النواب في تمثيل الأمة، بينما يطرح الغياب مفارقة كبيرة تفتح الباب أمام مساءلة هذه التمثيلية”، مشيرا إلى أن “الشارع المغربي نفسه يعيب على النواب أنهم لا يتواصلون مع المواطنين ولا يتفاعلون مع النقاشات العامة سوى داخل الزمن الانتخابي أو باقترابه، بينما يغيبون خارجه، في حين يُفترض في صلة التواصل بين النائب والمواطنين أن تمتد طيلة المدة الانتدابية وأن تتجسد في حضوره في البرلمان وطرح مشاكلهم والترافع عنهم”.

وحول مدى فعالية تلاوة أسماء النواب المتغيبين عن الجلسة دون عذر مقبول، ذكر المتحدث أن “الذي يمثل الأمة له ضمير، وهذا الأخير إذا لم يستنكف باسم الدستور وباسم الخطب الملكية الموجهة للعمل البرلماني، فإن مثل هذه الإجراءات التأديبية، بما في ذلك الاقتطاع من التعويضات، لن تؤتي أكلها، إذ إن معالجة هذا الإشكال تتجاوز الإجراءات الإدارية التي يمكن أن تتخذها لجنة الأخلاقيات في حق هذا النائب أو ذاك”.

كما كشف كديرة أن “النائب ليس شخصا طبيعيا أو موظفا لكي نتعامل معه بهذا المنطق الإداري، بل هو شخص اعتباري يمثل الجسم الانتخابي وهو جزء من الهيئة التشريعية، وبالتالي يجب أن يتحلى ويتقمص الضمير الدستوري أولا قبل كل شيء”، مسجلا أن “هذه الإجراءات التأديبية لا يمكن أن توقف نزيف غياب البرلمانيين، بل يجب تدخل وزارة الداخلية لتضمين القانون الانتخابي مقتضيات تمنع كل نائب تغيب لمدة معينة من الترشح مرة أخرى للانتخابات، كما يجب دراسة أسباب هذا الغياب، ومنها الجمع بين الإنتدابات الذي يجب وضع حد له هو الآخر بمقتضى قانون”.

قد تقرأ أيضا