بعد عودة ترامب.. هل يستطيع كير ستارمر إنقاذ العالم؟
مع عودة دونالد ترامب للبيت الأبيض وفي الوقت الذي يتصاعد فيه نفوذ الشعبويين حول العالم ترى حكومات يسار الوسط الأمل في كير ستارمر.
ويبدو رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر زعيما محتملا لليسار بعد فوزه في الانتخابات العامة في يوليو/تموز الماضي في ظل انهيار اليمين التقليدي في المملكة المتحدة وذلك وفقا لما ذكرته مجلة "بوليتيكو" الأمريكية.
ويصل زعيم حزب العمال إلى ريو دي جانيرو لحضور قمة مجموعة العشرين باعتباره السياسي الأكثر قوة من نوعه حيث يناقش في المحادثات حول كيفية حماية الاقتصادات وحرب أوكرانيا والعمل المناخي في ظل الولاية الثانية المرتقبة للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب.
والقمة التي تستضيفها البرازيل هي الحضور الدولى الأخير للرئيس الأمريكي المنتهية ولايته جو بايدن وتأتي في الوقت الذي انهار فيه الائتلاف الحاكم في ألمانيا بقيادة المستشار أولاف شولتز كما تشهد فرنسا صعودا لأقصى اليمين.
وفي كندا، يبدو أن الليبراليين بقيادة جاستن ترودو في طريقهم إلى مغادرة السلطة في حين تتوقع استطلاعات الرأي مصيرا مماثلا لحزب العمال بقيادة أنتوني ألبانيز في أستراليا.
والآن يعلق التقدميون آمالهم على ستارمر لكبح جماح ترامب الأكثر فوضوية فيما يتعلق بالشؤون الدولية لكن رئيس الوزراء البريطاني يسير على حبل مشدود من أجل الحفاظ على العلاقات بين لندن وواشنطن.
وقال مات بينيت، نائب الرئيس التنفيذي لمؤسسة "ثيرد واي" البحثية "الديمقراطية الليبرالية في خطر هائل" وزعم أن العديد من الديمقراطيين أصبحوا الآن "بطة عرجاء" وهو ما يترك ستارمر "وحيدا كزعيم لدولة قوية ملتزمة بالديمقراطية.. هذه مسؤولية ضخمة".
وأضاف "يمكن للمملكة المتحدة أن تعمل كحصن ضد مسيرة الشعبوية اليمينية.. يجب على ستارمر أن يدفع ترامب للخلف حيثما كان ذلك ضروريًا وأن يُظهر للعالم كيف يتم ذلك".
وسيبذل زعماء العالم قصارى جهدهم لعدم الإشارة بشكل سلبي إلى ترامب لكنه عودته إلى البيت الأبيض ستلوح في الأفق في اجتماعات قمة العشرين التي تنطلق الإثنين بالتزامن مع دخول حرب أوكرانيا يومها الألف.
وقال مكتب رئيس الوزراء البريطاني إن ستارمر سيستخدم القمة لدعوة الحلفاء إلى "تكثيف دعمهم" أو "مواجهة عواقب لا يمكن تصورها إذا انتصر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الحرب" كما أنه سيضع التعاون الاقتصادي وأزمة المناخ في قلب مناقشاته.
وردا على سؤال لـ"بوليتيكو"، أصر ستارمر على أن انتخاب ترامب لا يعني موت قضايا البيئة ووصف معالجة تغير المناخ بأنه "التزام يقع على عاتقنا جميعًا للقيام بدورنا" وفرصة اقتصادية عظيمة.
من جانبها، ذكرت صحيفة "تلغراف" البريطانية أن ستارمر سيسعى أيضًا إلى عقد اجتماع ثنائي مع بايدن لتشجيعه على منح أوكرانيا قرضًا بقيمة 20 مليار دولار قبل تنصيب ترامب في 20 يناير/كانون الثاني ومن المتوقع أن يدفع رئيس الوزراء للحصول على إذن لكييف لإطلاق صواريخ "ستورم شادو" بعيدة المدى في عمق الأراضي الروسية.
وفي تصريحات لـ"بوليتيكو"، أصر أحد الوزراء البريطانيين الذي طلب عدم الكشف عن هويته على أن لندن في وضع جيد لسماع الرئيس الأمريكي المنتخب وقال إن ترامب "يحب بريطانيا، ووالدته من جزيرة لويس الاسكتلندية ولديه ملاعب غولف وهي صلات لا تربطه بدول أوروبا الأخرى".
ومع ذلك، حتى في الأوقات الأكثر ودية، لا يوجد الكثير مما يمكن لبريطانيا وحدها أن تفعله لتشكيل القوة العظمى العالمية لذا فمن المرجح أن يتطلع ستارمر إلى تشكيل تحالفات مختلطة مع زعماء من جميع الأطياف في جميع أنحاء العالم بشأن مسائل ذات اهتمام مشترك.
وقالت كلير أينسلي، التي تدير معهد السياسة التقدمية في واشنطن "لا أعتقد أن الأمر يقع على عاتق كير ستارمر ليكون الشخص الوحيد الذي يقف (في وجه سياسات ترامب)".
وزعمت أينسلي، أن بريطانيا لديها حلفاء في يمين الوسط وكذلك اليسار يريدون أيضًا تخفيف أزمة المناخ والدفاع عن أوكرانيا، لذلك "سيكون الأمر أكثر حول السياسة الواقعية والبراغماتية لما هو في المصلحة الوطنية الاستراتيجية لكل دولة".
فمثلا الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي مؤيد ثابت لأوكرانيا وربما يرى البريطانيون أن الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا قريب جدًا من روسيا، لكنه جعل تغير المناخ أولوية وقد تكون رئيسة وزراء إيطاليا في أقصى اليمين لكن ستارمر يراها حليفة في معالجة الهجرة غير الشرعية.
ولا يحظى ترامب بشعبية كبيرة في بريطانيا وأشار استطلاع أجرته مؤسسة "يوغوف" غداة الانتخابات إلى أن 57% من البريطانيين غير راضين عن النتيجة معظمهم من حزب العمال، مقارنة بـ 20% راضين.
وعندما زار ترامب المملكة المتحدة في ولايته الأولى تظاهر عدد كبير من البريطانيين ضده وانتقده عدد من نواب حزب العمال المعارض آنذاك مثل ديفيد لامي الذي أصبح الآن وزيرا للخارجية والذي يواجه موقفا حرجا مع الجمهوريين الأمريكيين بسبب تصريحاته.
ويدرك ستارمر أهمية التواصل الشخصي مع ترامب فكان من أوائل زعماء العالم الذين اتصلوا بالرئيس المنتخب لإرسال "تهانيه الحارة".
وقال وزير بريطاني طلب عدم الكشف عن هويته إن ستارمر "يجب أن يحاول التأثير على ترامب بطريقة ما" وأكد أن نواب البربمان يجب أن يكونوا "ناضجين"، ويقبلوا أهمية استمرار الحوار بين البيت الأبيض وداونينغ ستريت.
وفي الوقت نفسه، يسعى ستارمر إلى المضي قدمًا في بناء العلاقات مع أوروبا بعد الضرر الذي لحق بها بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وقد تأتي الانتصارات للاقتصاد البريطاني على حساب التنازلات لبروكسل، لكنها قد تكون أيضًا بمثابة حصن ضد الاضطرابات من ترامب إذا نفذ تعهداته بفرض تعريفات جمركية على الواردات.
وبعد فوز ترامب، غير ستامر لغته حول الأجندة المحلية فقال إن الاقتصاد والسيطرة على الحدود هما "الأولويتان الرئيسيتان" وهو ما يعكس وجهة نظر داونينغ ستريت حول فشل الديمقراطيين في تقديم قضية قوية للناخبين كما يشير إلى تقارب مع لغة ترامب.
وردا على الأسئلة بشأن مواقف ترامب ركز ستارمر على أجندته الخاصة مسلطا الضوء على دعم بريطانيا القوي لأوكرانيا وسجلها الحافل بشأن أزمة المناخ.
ومن المتوقع أيضا أن تكون هناك خطوات في لندن مصممة لإرضاء ترامب مثل تحديد جدول زمنى لزيادة الإنفاق الدفاعي في المملكة المتحدة إلى 2.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي في الربيع كما أن مناشدة غرور الرئيس المنتخب من خلال احترامه الكبير للعائلة المالكة البريطانية هي أداة أخرى في يد ستارمر.
ولن تكون محاولات لندن لتخفيف التأثير العالمي لترامب خاصة في ظل تحالفه مع إيلون ماسك الذي كان معاديًا علنًا لحكومة ستارمر وأيضا في ظل اختلاف سياسات حزب العمال البريطاني عن الحزب الجمهوري الأمريكي.
وفي الوقت نفسه، يسعى ستارمر إلى إقامة علاقات جديدة مع الصين العدو اللدود لترامب.
وقال بول هاريسون السكرتير الصحفي لرئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي إن إقناع ترامب "عملية صعبة، ويجب أن تتم بعناية شديدة" مشيرا إلى أن ستارمر لديه "بعض الأوراق، وإن لم تكن كثيرة، للعب".
aXA6IDMuMTI4LjMzLjIwOSA= جزيرة ام اند امز US