«الصحة» في قمة اهتمامات «باكو».. COP29 يلتقط الخيط من COP28
يساهم تغير المناخ في زيادة تعقيد العديد من العوامل الاجتماعية والبيئية والاقتصادية، مما ينعكس سلبا على الصحة العامة والرفاهية الاجتماعية.
وفي مواجهة هذه التحديات، يخصص مؤتمر الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ (COP29) المنعقد في باكو عاصمة أذربيجان، يوم 18 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، جلسة للصحة ضمن جدول الأعمال، وهو ما يعكس التزايد المتنامي للاعتراف بأهمية الربط بين قضايا المناخ والصحة العامة.
وتُظهر هذه الخطوة أن صحة الإنسان أصبحت جزءًا أساسيًا من أي مناقشة حول تغيّر المناخ، بالنظر إلى تأثيرات هذه الظاهرة على الأنظمة البيئية وصحة الأفراد والمجتمعات.
وكان يوم الصحة في COP28، الذي عُقد في 2023، بداية محورية في هذا الاتجاه، ففي هذا اليوم، كان قد تم تسليط الضوء على التأثيرات المباشرة وغير المباشرة للتغيّر المناخي على الصحة، مثل تزايد الأمراض التنفسية بسبب تلوث الهواء، والأمراض المنقولة بالمياه بسبب تغيرات الطقس، وكذلك تأثيرات موجات الحر على الفئات الضعيفة.
وكانت هذه المناقشات خطوة هامة نحو تعزيز الوعي العالمي بضرورة دمج الصحة في استراتيجيات المناخ.
ويمثل COP29 استمرارية لهذه الجهود التي بدأت في COP28، حيث سيكون التركيز على كيفية معالجة تأثيرات تغير المناخ على الصحة بشكل أكثر تنسيقًا على مستوى السياسات العالمية.
وسيكون هناك دعوة قوية إلى التعاون بين الجهات الصحية والمناخية لإيجاد حلول شاملة يمكن أن تخفف من الأعباء الصحية الناجمة عن أزمة المناخ.
وفي هذا السياق، طالبت منظمة الصحة العالمية قادة العالم في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين (COP29) بالتخلي عن النهج المنعزل في التعامل مع قضايا تغير المناخ والصحة، مشيرة إلى ضرورة دمج الصحة في صلب جميع المفاوضات والاستراتيجيات والسياسات المناخية.
وأكدت المنظمة أن هذه الخطوة ضرورية لإنقاذ الأرواح وضمان مستقبل أكثر صحة للأجيال الحالية والمستقبلية.
وفي هذا الإطار، صرح الدكتور تيدروس أدهانوم جيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، قائلاً: "إن أزمة المناخ هي أزمة صحية، وبالتالي فإن إعطاء الأولوية للصحة والرفاهية في العمل المناخي ليس فقط ضرورة أخلاقية وقانونية، بل هو فرصة استراتيجية لتحقيق فوائد صحية هائلة لمستقبل أكثر عدلاً وإنصافًا".
وأضاف أن COP29 يمثل فرصة حاسمة لدمج اعتبارات الصحة في استراتيجيات التكيف مع تغير المناخ والتخفيف من آثاره، مع تأكيد دعم المنظمة للبلدان من خلال تقديم المبادئ التوجيهية العملية والمساعدة الفنية.
وفي هذا السياق، أعدت المنظمة تقريرًا خاصًا حول تغير المناخ والصحة بالتعاون مع أكثر من 100 منظمة و 300 خبير.
وحدد التقرير السياسات الحاسمة عبر ثلاثة أبعاد متكاملة: الناس، المكان، والكوكب.
كما يركز على الإجراءات الأساسية التي تهدف إلى حماية الجميع، لا سيما 3.6 مليار شخص يعيشون في المناطق الأكثر تعرضًا لتأثيرات تغير المناخ.
ويؤكد التقرير على أهمية الحوكمة التي تدمج الصحة في السياسات المناخية والمناخ في السياسات الصحية كشرط أساسي لتحقيق التقدم المنشود.
تغير المناخ والصحة
أهم توصيات التقرير الأممي بشأن تغير المناخ والصحة:
- تركيز صحة الإنسان ورفاهيته كمؤشر رئيسي لنجاح السياسات المناخية، بهدف تحفيز التقدم وضمان التكيف والمرونة البشرية.
- إلغاء الدعم عن الوقود الأحفوري والتحول بعيدًا عن الاعتماد عليه، من خلال إعادة تنظيم الأنظمة الاقتصادية والمالية لحماية صحة الإنسان والبيئة.
ويشمل ذلك الاستثمار في بدائل نظيفة ومستدامة للحد من الأمراض المرتبطة بالتلوث وخفض الانبعاثات الكربونية.
- تعبئة التمويل لمبادرات الصحة المناخية، خاصة لتعزيز النظم الصحية القادرة على الاستجابة للطوارئ، ودعم القوى العاملة الصحية، وبناء نظم صحية مرنة قادرة على التكيف مع تحديات المناخ لحماية الأرواح.
- الاستثمار في حلول مثبتة عبر خمس تدخلات رئيسية فقط، مثل أنظمة تحذير الصحة من الحرارة، والطاقة النظيفة في المنازل، وإصلاح تسعير الوقود الأحفوري، التي يمكن أن تنقذ حوالي مليوني حياة سنويًا، وتحقق فوائد اقتصادية تصل إلى 4 دولارات مقابل كل دولار يُستثمر.
- تعزيز دور المدن في تحسين النتائج الصحية من خلال تصميم حضري مستدام، وإدخال حلول للطاقة النظيفة، والإسكان المرن، وتحسين الصرف الصحي.
كما يجب تعزيز حماية الطبيعة واستعادة التنوع البيولوجي مع الاعتراف بالفوائد الصحية التآزرية مثل تحسين جودة الهواء والمياه والأمن الغذائي.
تعزيز عمل منظمة الصحة العالمية في مجال الصحة والمناخ
وصرحت الدكتورة ماريا نيرا، مديرة البيئة وتغير المناخ والصحة في منظمة الصحة العالمية، قائلة: "الصحة هي التجربة المباشرة لتأثيرات تغير المناخ.
ومن خلال إعطاء الأولوية للصحة في جميع جوانب العمل المناخي، يمكننا تحقيق فوائد كبيرة للصحة العامة، وتعزيز قدرتنا على التكيف مع تغير المناخ، وتحقيق الأمن والاستقرار الاقتصادي.
كما أكدت على أن الصحة هي الحجة التي نحتاجها لتحفيز العمل العاجل والواسع النطاق في هذه اللحظة الحاسمة".
وأضافت أن المساهمات المحددة وطنيا بشأن المناخ، والتي تمثل خططًا و التزامات تعهدت بها الدول بموجب اتفاق باريس، قد اعتبرت الصحة أولوية في 91% من هذه المساهمات.
ومع ذلك، فإن القليل من هذه المساهمات يتضمن إجراءات محددة للاستفادة من الفوائد الصحية المرتبطة بتخفيف آثار تغير المناخ أو التكيف معه، أو لحماية الصحة من المخاطر المناخية.
ولتعزيز دمج الصحة في السياسات المناخية، أصدرت منظمة الصحة العالمية معايير الجودة الخاصة بالدمج الصحي في المساهمات المحددة وطنيا، وهي توجهات عملية تهدف إلى مساعدة وزارات الصحة و البيئة والقطاعات الأخرى مثل النقل والطاقة والتخطيط الحضري والمياه والصرف الصحي على تضمين الاعتبارات الصحية في استراتيجيات التكيف والتخفيف.
وبالإضافة إلى مبادراتها الخاصة، تجمع منظمة الصحة العالمية 90 دولة و75 شريكًا ضمن التحالف من أجل العمل التحويلي بشأن المناخ والصحة (ATACH).
وتم تأسيس هذه المنصة لتعزيز الالتزامات التي تم التعهد بها في مؤتمر الأطراف السادس والعشرين، بهدف بناء أنظمة صحية مستدامة وقادرة على التكيف مع تحديات تغير المناخ.
ويعمل التحالف على تعزيز دمج العلاقة بين تغير المناخ والصحة في الخطط الوطنية والإقليمية والعالمية ذات الصلة، من خلال الاستفادة من القوة الجماعية للدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية والأطراف المعنية الأخرى لدفع هذه الأجندة قدمًا وبشكل عاجل وواسع النطاق.
ومن جانبه، أكد أنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، أن "أزمة المناخ هي أيضًا أزمة صحية"، مشيرًا إلى أن صحة الإنسان وصحة الكوكب متشابكتان.
وأكد على ضرورة أن تتخذ الدول إجراءات ملموسة لحماية شعوبها، وتعزيز الموارد، وتقليص الانبعاثات، والتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، وتحقيق السلام مع الطبيعة.
كما دعا إلى أن يدفع مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين التقدم نحو تحقيق هذه الأهداف الحيوية لصحة الكوكب والإنسان.
وفي السياق ذاته، أشار الدكتور راجيف شاه، رئيس مؤسسة روكفلر، إلى أن تأثير تغير المناخ لا ينبغي أن يُقاس بالدرجات فقط، بل يجب أن نأخذ في الاعتبار الأرواح التي تم إنقاذها أو فقدانها أو تحسينها.
وأوضح أن مؤسسة روكفلر تعمل بشكل وثيق مع منظمة الصحة العالمية والعديد من الشركاء الآخرين للتركيز على الاعتبارات الصحية في جميع الجهود المتعلقة بالمناخ، بما في ذلك المبادرات الرامية إلى تمكين التحولات العادلة في قطاع الطاقة وزيادة الفرص الاقتصادية للمجتمعات التي تواجه تحديات المناخ بشكل مباشر.
ومن جانبها، أكدت الدكتورة فانيسا كيري، المبعوثة الخاصة للمدير العام لمنظمة الصحة العالمية لشؤون تغير المناخ والصحة، أن التقرير يكشف كيف أن أزمة المناخ والصحة تؤثر على أكثر من مجرد صحتنا، فهي تقوض الاقتصادات، وتعمق الفجوات في المساواة، وتساهم في عدم الاستقرار السياسي.
وأشارت إلى أنه بينما يجتمع القادة في مؤتمر المناخ COP29، يجب عليهم تسريع الانتقال العادل وزيادة التمويل لأنظمة الصحة والعاملين الصحيين في الخطوط الأمامية لحماية الفئات الأكثر ضعفًا.
وشددت على أن الصحة يجب أن تكون في صلب المناقشات المناخية والمساهمات المحددة وطنيا، موضحة أنه لحماية البشر والاقتصادات والأمن العالمي، يجب أن تكون الصحة جزءًا أساسيًا من العمل المناخي. وأضافت: "لا يمكننا تحمل التأجيل".
aXA6IDMuMTI4LjMzLjIwOSA= جزيرة ام اند امز US